الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
1056- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة ثم كان يوم قديد فلم يورث أحد منهم من صاحبه شيئا إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه قال مالك وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه ولا شك عند أحد من أهل العلم ببلدنا وكذلك العمل في كل متوارثين هلكا بغرق أو قتل أو غير ذلك من الموت إذا لم يعلم أيهما مات قبل صاحبه لم يرث أحد منهما من صاحبه شيئا وكان ميراثهما لمن بقي من ورثتيهما يرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء إلى سائر قوله في الباب من مسائله التي فسر بها أصل مذهبه هذا وهو مذهب زيد بن ثابت وجمهور أهل المدينة وهو قول بن شهاب وبه قال الأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه فيما ذكر الطحاوي عنه وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وإياس بن عبد الله المزني - رضي الله عنهم - أنه يورث كل واحد من الغرقى والقتلى ومن مات تحت الهدم ومن أشبههم ممن أشكل أمرهم فلا يدرى أيهم مات أولا من صاحبه روي ذلك عن عمر وعلي من وجوه ذكرها بن أبي شيبة وغيره وحديث إياس بن عبد - ويقال بن عبد الله المزني رواه بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس المزني وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن بيت وقع على قوم فماتوا فقال يورث بعضهم من بعض وبه قال شريح وعبيدة السلماني والشعبي وإبراهيم النخعي وأبو يوسف فيما ذكره الفراض وغيرهم عنهم وسفيان الثوري وسائر الكوفيين وجمهور البصريين والمعنى الذي ذهبوا إليه في ذلك أن يورثوا كل واحد منهما من صاحبه ولا يرد على واحد منهما مما ورث عن صاحبه شيئا مثال ذلك كان زوجا وزوجة غرقا جميعا ومع كل واحد منهما ألف درهم فتميت الزوجة أولا فنصيب الزوج خمسمائة درهم ثم يميت الزوج فنصيب الزوجة من الألف التي هي أصل ماله مئتان وخمسون درهم ولا تورثها عن الخمسمائة التي ورثها عنها ولا تورثه من المائتين والخمسين التي ورثتها منه فلا يرث واحد منهما من المقدار الذي يورثه من صاحبه ويرث مما سوى ذلك وقد روي عن عائشة - أم المؤمنين أنها شهدت بأن طلحة مات قبل أبيه محمد يوم الجمل وشهد بذلك معها غيرها فورث طلحة ابنه محمدا وورث محمد ابنه إبراهيم. 1057- مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنى إنه إذا مات ورثته أمه حقها في كتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم ويرث البقية موالي أمه إن كانت مولاة وإن كانت عربية ورثت حقها وورث إخوته لأمه حقوقهم وكان ما بقي للمسلمين قال مالك وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك قال مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر هذا مذهب زيد بن ثابت - كان يورث من بن الملاعنة كما يورث من غيره ولا يجعل عصبة أمه عصبة له ويجعل ما فضل عن أمه لبيت مال المسلمين إلا أن يكون له إخوة لأم فيعطون حقوقهم منه كما لو كان غير بن الملاعنة والباقي في بيت المال فإن كانت أمه مولاة جعل الباقي من فرض ذوي السهام لموالي أمه فإن لم يكن لها مولى حي جعله في بيت مال المسلمين وعن بن عباس في ذلك مثل قول زيد بن ثابت وبه قال جمهور أهل المدينة سعيد بن المسيب وعروة وسليمان وعمر بن عبد العزيز وبن شهاب وربيعة وأبو الزناد ومالك والشافعي وأصحابهما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأهل البصرة إلا أن أبا حنيفة وأصحابه وأهل البصرة يجعلون ذوي الأرحام أولى من بيت المال فيجعلون ما فضل عن فرض أمه وإخوته ردا على أمه وعلى إخوته إلا أن تكون الأم مولاة فيكون الفاضل لمواليها. وأما علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر فإنهم جعلوا عصبته عصبة ولده ذكر أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني بن أبي ليلى عن الشعبي عن علي وعبد الله أنهما قالا في بن الملاعنة عصبته عصبة أمه قال. وحدثني وكيع قال حدثني موسى بن عبيدة عن نافع عن بن عمر قال بن الملاعنة عصبته عصبة أمه يرثهم ويرثونه وهو قول إبراهيم والشعبي وروي عن علي أيضا وبن مسعود أنهما كانا يجعلان أمه عصبته فتعطى المال كله فإن لم يكن له أم فماله لعصبتها وبه قال الحسن ومكحول ومثل ذلك أيضا عن الشعبي وقتادة وبن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والحكم وحماد وسفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وشريك ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وكان علي - رضي الله عنه - يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أولى ممن لا سهم له فيرد عليه وقال به جماعة من العراقيين في هذه المسألة وقد أوضحناها في ((التمهيد وحجة من ذهب إلى خلاف قول زيد في حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألحق ولد الملاعنة بأمه وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها وحديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عليه ومكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك مثله ذكر أبو داود وغيره ذكر أحمد بن حنبل قال حدثني يحيى بن زكريا قال حدثني داود بن أبي هند قال أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير قال كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي إني سألت فأخبرت أنه قضى به لأمه وهي بمنزلة أبيه وأمه قال أبو عمر قيل معنى هذا الحديث أي هي في ابنها بمنزلة الأب تكون عصبة له وعصبتها عصبة لولدها وصار حكم التعصيب الذي من جهة الأب يكون من جهة الأم وصارت هي بمنزلة الأب فعلى هذا تحجب الإخوة وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن الشعبي قال سألت بالمدينة كيف صنع النبي صلى الله عليه وسلم بولد الملاعنة قال ألحقه بعصبة أمه وعن الشعبي أيضا قال بعث أهل الكوفة رجلا إلى الحجاز في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يسأل عن ميراث بن الملاعنة فجاءهم الرسول أنه لأمه وعصبتها وعن بن عباس قال اختصم إلى علي - رضي الله عنه - في ميراث ولد الملاعنة فأعطى أمه الميراث وجعلها عصبته والرواية الأولى أشهر عن علي - رضي الله عنه - عند أهل الفرائض وقد روى خلاس عن علي في بن الملاعنة مثل قول زيد بن ثابت ما فضل عن إخوته فلبيت المال وأنكروها على خلاس ولخلاس عن علي أخبار يصر كثير من أنها نكارة عند العلماء وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل تم كتاب الفرائض والحمد لله رب العالمين. 1058- مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)). 1059- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)). قال مالك وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقان على صداق واحد معلوم وقد تراضيا فهي تشترط عليه لنفسها فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس قال أبو عمر بنحو ما فسر مالك هذا الحديث فسره الشافعي وابو عبيد وهو مذهب جماعة الفقهاء كلهم يتفقون في ذلك المعنى وهو المعمول به عند السلف والخلف وذلك والله أعلم - لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح الخطبة لأسامة بن زيد على خطبة معاوية بن أبي سفيان وأبي جهم بن حذيفة حين خطبا فاطمة بنت قيس فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاورة له فخطبها لأسامة بن زيد على خطبتها ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل ما ينهى عنه ولا أعلم أحدا ادعى نسخا في أحاديث هذا الباب فدل ذلك على أن المعنى ما قاله الفقهاء من الركون والرضا والله أعلم وسيأتي القول في قول أسامة في موضعه من هذا الكتاب - إن شاء الله - عز وجل وقد روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)) وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) والمعنى فيه ما تقدم عن مالك وغيره من العلماء فإذا ركنت المرأة أو وليها ووقع الرضا لم يجز لأحد حينئذ الخطبة على من ركن أليه ورضي به وأتفق عليه ومن فعل ذلك كان عاصيا إذا كان بالنهي عالما واختلفوا في فسخ نكاحه وسنذكر بعد ذلك في هذا الباب إن شاء الله تعالى وقد روى بن وهب عن الليث وبن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة المهري أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((المؤمن أخو المؤمن لا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه حتى يذر ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر)) ومن الدليل على ما وصفنا ما جاء عن السلف ما رواه بن وهب في ((موطئه)). قال أخبرنا مخرمة بن بكير عن أبيه عن عبيد الله بن سعد عن الحارث بن أبي ذباب أن جريرا البجلي أمره عمر بن الخطاب أن يخطب عليه امرأة من دوس ثم أمره مروان بن الحكم من بعده أن يخطبها عليه ثم أمره عبد الله بن عمر بعد ذلك فدخل عليها فأخبرها بهم الأول فالأول ثم خطبها معهم لنفسه فقالت والله ما أدري أتلعب أم أنت جاد قال بل جاد فنكحته فولدت له ولدين وفي سماع إسماعيل بن أبي أويس قال سمعت مالكا يقول أكره إذا بعث الرجل رجلا يخطب له امرأة أن يخطبها الرجل لنفسه وأراها خيانة ولم أسمع أحدا رخص في ذلك قال وسئل مالك عن رجل خطب امرأة وركنت إليه واتفقا على صداق معلوم حتى صارت من اللائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يخطب الرجل على خطبة أخيه)). قال مالك إذا كان هكذا فملكها زوج آخر ولم يدخل بها فإنه يفرق بينهما وإن دخل بها مضى النكاح وبئس ما صنع حين خطب امرأة في حال نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب عليها قال أبو عمر هذا هو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه فيمن خطب بعد الركون على خطبة أخيه أنه يفسخ نكاحه إن لم يدخل فإن نكح لم يفسخ وقد روي عنه أنه يفسخ على كل حال وقد روي عنه أنه لا يفسخ أصلا وإن كان عاصيا يفعله وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما وقد قال الشافعي ليس بعاص إلا أن يكون بالنهي عالما وغير متأول وقال داود يفسخ نكاحه على كل حال وقال بن القاسم إذا تزوج الرجل المرأة بعد أن ركنت إلى غيره فدخل بها فإنه يتحلل الذي خطبها عليه ويعرفه بما صنع فإن حلله وإلا فليستغفر الله من ذلك وليس يلزمه طلاقها وقد أثم فيما فعل قال بن وهب إن لم يجعله الأول في حل مما صنع فليطلقها فإن رغب فيها الأول وتزوجها فقد بريء هذا من الأثم وإن كره تزويجها فليراجعها الذي فارقها بنكاح جديد وليس يقضي عليه بالفراق وقال بن القاسم إنما معنى النهي في أن يخطب الرجل على خطبة إخيه في رجلين صالحين. وأما إذا كان الذي خطبها أولا فركنت إليه رجل سوء فإنه ينبغي للولي أن يحضها على تزويج الرجل الصالح الذي يعلمها الخير ويعينها عليه قال أبو عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يخطب على خطبة أخيه)) والبيع عندهم (مكروه) غير مفسوخ فكذلك النكاح لأنه لم يملك بضعها بالركون دون العقد ولا كانت له بذلك زوجة يجب بينهما الميراث ويقع الطلاق ولو كان كذلك لقضى مالك بفسخه قبل الدخول وبعده وفسخ النكاح عنده قبل الدخول من باب إعادة الصلاة في الوقت ليدرك العمل على سنته وكمال حسنه والركون عند أهل اللغة السكون إلى الشيء بالمحبة له والأنصات إليه ونقيضه النفور عنه ومن ذلك قوله تعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) [هود 113]. وقد روي في هذا المعنى عن عقبة بن عامر تشديد وتغليظ رواه بن السرح عن حيوة بن شريح أن زياد بن عيينة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول على المنبر لئن يجمع الرجل حطبا حتى يصير مثل الجبل ثم يوقده بالنار فإذا احترق اقتحم فيه حتى يصير رميما خير له من أن يفعل إحدى ثلاث يخطب على خطبة أخيه أو يسوم على سوم أخيه أو يصر لقحة قال أبو عمر ما صح العقد فيه وكمل النكاح له ارتفع الوعيد فيه أن يكون كبيرة فمغفور مع اجتناب الكبائر. 1060- مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله تبارك وتعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم (1) به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا) [البقرة 225]. أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول قال أبو عمر حرم الله عقد النكاح في العدة بقوله (ولا تعزموا عقده النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) [البقرة 235]. وأباح التعريض بالنكاح في العدة ولم يختلف العلماء من السلف والخلف في ذلك فهو من المحكم المجتمع على تأويله إلا أنهم اختلفوا في ألفاظ التعريض فقال القاسم بن محمد ما ذكره مالك في هذا الباب عنه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه في ذلك قال يقول إني بك لمعجب وأني فيك راغب وإني عليك لحريص وأشباه ذلك وروى شعبة عن منصور عن مجاهد عن بن عباس في قوله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) [البقرة 235]. قال التعريض ما لم ينصب للخطبة ورواه بن جرير بإسناده عن منصور وزاد يقول إني فيك راغب وإني أريد امرأة أمرها كذا يعرض لها وشعبة عن سهيل بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير قال هو قول الرجل إني أريد أن أتزوج وروى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي ووكيع عن أبيه عن منصور عن مجاهد قال يقول إنك لجميلة وإنك لنافقة وإن قضى الله أمرا كان وبن جريج عن مجاهد مثله وقال الحسن لا يقول لها إذا انقضت عدتك تزوجتك ويقول لها ما شاء وقال عبيدة يذكرها لوليها ولا يشعرها وروي عن مجاهد أنه قال يكره أن يقول لا تفوتيني بنفسك وإني عليك لحريص وكان إبراهيم لا يرى بذلك كله بأسا قال أبو عمر قد روى محمد بن عمر (بن) علقمة عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة ابنة قيس انتقلي إلى بيت أم شريك ولا تفوتيني بنفسك ذكره أبو بكر عن بن إدريس ومحمد عن بشر عن محمد بن عمر. 1061- مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((الأيم (1) أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها)). قال أبو عمر هذا حديث رفيع صحيح أصل من أصول الأحكام ورواته ثقات أثبات أشراف فرواه عن عبد الله بن الفضل طائفة منهم مالك وزياد بن سعد ورواه عن مالك جماعة من الأئمة الجلة منهم شعبة وسفيان الثوري وبن عيينة ويحيى بن سعيد الأنصاري وجماعة من أصحابه يطول ذكرهم وقد قيل إنه رواه أبو حنيفة عن مالك)) واختلف رواته في لفظه فالأكثر يقولون فيه الأيم أحق بنفسها وقال منهم جماعة الثيب أحق بنفسها وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في ((التمهيد)) وممن قال بذلك بن عيينة عن زياد بن سعد أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني بن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها في نفسها وإذنها صماتها)) وربما قال سفيان صمتها إقرارها قال أبو عمر قد يمكن أن يكون من قال فيه الثيب أحق بنفسها جاء به على المعنى عنده وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال منهم قائلون الإيم في هذا الحديث هي التي آمت من زوجها بموته أو طلاقه وهي الثيب واحتجوا بقول الشاعر يوم القادسية فأبنا وقد آمت نساء كثيرة... ونسوة سعد ليس منهن أيم) يقول ليس منهن من قتل زوجها واحتجوا أيضا بحديث بن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر حين تأيمت ابنته حفصة من خنيس بن حذافة السهمي الحديث وبحديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال آمت حفصة من زوجها وأم عثمان من رقية الحديث قالوا فالأيم هنا الثيب وإن كانت العرب قد تسمي كل من لا زوج لها أيما فإنما ذلك على الاتساع. وأما أهل اللغة عدم الزوج بعد أن كان قالوا ورواية من روى في هذا الحديث الثيب أحق بنفسها من وليها رواية مفسرة وهي أولى من رواية من روى الأيم لأنه قول مجمل والمصير إلى الرواية المفسرة أشهر في الحجة وذكروا ما حدثناه عبد الوارث وسعيد قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص بن غياث عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب قال حدثني نافع بن جبير بن مطعم عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الثيب أولى بأمرها من وليها والبكر تستأمر وصمتها إقرارها)). قالوا ومن الدليل أيضا على أن الأيم المذكورة في هذا الحديث هي الثيب كما رواه من رواه وكذلك قوله والبكر تستأذن فذكر البكر بعد ذكره الأيم فدل على أنها الثيب قالوا ولو كانت الأيم في هذا الحديث كل من لا زوج لها من النساء لبطل قوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي)) ولكانت كل امرأة أحق بنفسها من وليها وكان هذا التأويل رد السنة الثابتة في أن لا نكاح إلا بولي وردا لقوله تعالى ( فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) [البقرة 232]. يخاطب الأولياء بذلك ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) دل على أن لوليها حقا لكنها أحق منه ودل على أن حق الولي على البكر فوق ذلك لأن الولي لا ينكح الثيب إلا بأمرها وينكح البكر بغير أمرها ويستحب له إستئذانها واستئمارها وهذا كله قول من قال إن الولي المذكور في هذا الحديث هو الأب دون غيره من الأولياء لأن الأب لا ينكح الثيب من بناته إلا بأمرها وله أن ينكح البكر منهن بغير أمرها وممن قال بهذا الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واحتجوا بضروب من الحجج معناها ما وصفنا قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها)) دلائل ومعان وفوائد أحدها أن الأيم إذا كانت أحق بنفسها فغير الأيم وليها أحق بها من نفسها ولو كانتا جميعا أحق بأنفسهما من وليهما لما كان لتخصيص الأيم معنى ومثل هذا من الدلائل قول الله - عز وجل (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) [الطلاق 6]. دليل على أنه لا نفقه لهن إذا لم يكمن أولات حمل وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع)) فيه دليل على أن الثمرة للمشتري (إذا) بيعت قبل أن تؤبر وكذلك قوله عليه السلام ((الأيم أحق بنفسها من وليها دليل على أن التي يخالفها وليها أحق بها وذكر المزني وغيره عن الشافعي قال وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها وتستأمر البكر في نفسها وإذنها صماتها)) دلاله على الفرق بين الثيب والبكر في أمرين أحدهما أن إذن البكر الصمت والتي تخالفها الكلام والآخر أن أمرهما في ولاية أنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي قال والولي ها هنا الأب والله أعلم دون سائر الأولياء ألا ترى أن سائر الأولياء غير الأب ليس له أن يزوج الصغيرة ولا له أن يزوج البكر الكبيرة إلا بإذنها وذلك للأب في بناته الأبكار بوالغ أو غير بوالغ وهو المطلق الكامل الولاية لأن من سواه من الأولياء لا يستحقون الولاة إلا به وقد يشتركون فيها وهو ينفرد بها فلذلك وجب له اسم الولي مطلقا وذكر حديث خنساء بنت خدام أن رسول الله رد نكاحها وكانت ثيبا إذ أنكحها أبوها بغير رضاها قال. وأما الاستئمار للبكر فعلى استطابة النفس ورجاء الموافقة وخوف موافقة الكراهة وقد قال الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم (وشاورهم في الأمر) آل عمران 159 ومعلوم أنه ليس لأحد منهم رد ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ليفتدي به وفي هذا المعنى آثار ذكرناها في ((التمهيد)). قال أبو عمر وحديث خنساء بنت خدام ذكره مالك في باب ((جامع ما لا يجوز من النكاح)) وكان هذا الباب أولى به وسيأتي القول فيه في موضعه إن شاء الله وقال آخرون الأيم كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا واستشهدوا بقول الشاعر: فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي *** وإن كنت أفتى منكم أتأيم أي تبقين بلا زوج ومن هذا قول الشماخ: يقر بعيني أن أنبأ أنها *** وإن لم أنلها أيم لم تزوج وأبين من هذا قول أمية بن ابي الصلت: لله در بني علي *** أيم منهم وناكح إن لم يغيروا غارة *** شعواء تحجر كل نائح وفي هذا الحديث أعوذ بالله من بوار الأيم وهذا كله يدل على أن الأيم من لا زوج لها ثيبا كانت أو بكرا وقال إسماعيل بن إسحاق الأيم هي التي لا زوج لها بالغا كانت أو غير بالغ بكرا كانت أو ثيبا قال ولم يدخل الأب في جملة الأولياء لأن أمره في ولده أجل من أن يدخل في الأولياء الذين لا يشبهونه وليست لهم أحكامه قال والدليل على أن الأيم كل من لا زوج لها قوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) الآية [النور 32]. يعني كل من لا زوج لها قال وإنما في الحديث معنيان أحدهما أن الأيامى كلهن أحق بأنفسهن من أوليائهن وهم من عدا الأب من الأولياء والمعنى الآخر تعليم الناس كيف يستأذنون البكر وأن إذنها صماتها لأنها تستحي أن تجيب بلسانها قال والدليل على ذلك أن الأب له أن يزوج الصغيرة إذا بلغت وإنما جاز له بإجماع من المسلمين ثم يلزمها ذلك ولا يكون لها في نفسها خيار إذا بلغت وإنما جاز له أن يزوج الصغيرة لدخولها في جملة الأيامى ولو كانت أحق بنفسها لم يكن له أن يزوجها حتى تبلغ وتستأذن) قال أبو عمر من تأمل المعنيين واحتجاج الفريقين لم يخف عليه القوي فيهما وبالله التوفيق. 1062- مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان قال أبو عمر قول عمر هذا اختلف فيه أصحابنا على قولين فمنهم من قال أن قوله وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان أن كل واحد من هؤلاء جائز إنكاحه ونافذ فعله إذا أصاب وجه الصواب من الكفاءة والصلاح وقال آخرون أراد بقوله وليها أقرب الأولياء وأقعدهم بها وأراد بقوله ذوي الرأي من أهلها عصبتها أولو الرأي وإن بعدوا منها في النسب إذا لم يكن الولي الأقرب وكذلك السلطان إذا لم يكن (ولي) قريب ولا بعيد وجعلوا قول عمر هذا على الترتيب لا على التخيير كنحو اختلاف العلماء في معنى قول الله عز وجل في المحاربين (إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) [المائدة 33]. وهذا كله من قولهم تصريح أنه لا نكاح إلا بولي واختلفوا في حكم الولي ومعناه على ما نوضحه عنهم وعن غيرهم من العلماء إن شاء الله قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي)) من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه حديث وصله جماعة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو عوانة ويونس بن أبي إسحاق وإسرائيل بن يونس وقد ذكرنا الطرق عنهم في ((التمهيد)) وأرسله شعبة والثوري فروياه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم روى بن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) روى هذا الحديث عن بن جريج جماعة لم يذكروا فيه علة ورواه بن عيينة عن بن جريج بإسناده (مثله) وزاد قال بن جريج فسألت عنه الزهري فلم يعرفه ولم ير واحد هذا الكلام عن بن جريج في هذا الحديث غير بن علية فتعلق به من أجاز النكاح بغير ولي وقال هو حديث واه إذ قد أنكره الزهري الذي عنه روي وطعنوا بذلك على سليمان بن موسى في حفظه قالوا لم يتابعه عليه أحد من الحفاظ أصحاب الزهري وقال به من لم يجز النكاح إلا بإذن ولي وهو حديث صحيح لأنه نقله عن الزهري ثقات قالوا وسليمان بن موسى إمام أهل الشام وفقيههم عن الزهري وقد رواه عن الزهري كما رواه سليمان بن موسى جعفر بن ربيعة والحجاج بن أرطأة ولا يضر إنكار الزهري له لأنه من نسي شيئا بعد أن حفظه لم يضر ذلك من حفظه عنه قال أبو عمر حديث جعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) الحديث أحفظه إلا من حديث بن لهيعة عن جعفر بن ربيعة ورواه عن بن لهيعة بن وهب والقعنبي وعبد الغفار بن داود الحراني والمعلى بن منصور وغيرهم واحتجوا أيضا بما حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني إسماعيل بن موسى قال حدثني إسحاق بن عيسى قال حدثني هشيم عن الحجاج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له)) فإن قيل إن الحجاج بن أرطأة ليس في الزهري بحجة وأجمعوا على أنه كان يدلس ويحدث عن الثقات بما لم يسمع عنهم إذا سمعه منهم قيل له قد رواه بن أبي مليكة عن أبي عمر ومولى عائشة عن عائشة بإسناد كلهم ثقات وعدول حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الله بن إدريس عن جريج عن بن ابي مليكة عن أبي عمر ومولى عائشة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تستأمر النساء في أبضاعهن)) قلت يا رسول الله ! إنهن يستحيين قال ((الأيم أحق بنفسها والبكر تستأمر وسكوتها إقرارها)) وقد تكلمنا على علل أحاديث هذا الباب وتصحيحها في ((التمهيد) بما يطول ذكره وأجمع العلماء على أن الولي المذكور بالإشارة إليه في هذا الحديث هو الولي من النسب والعصبة واختلفوا في غير العصبة مثل وصي الأب وذي الرأي من السلطان إلا أنهم أجمعوا أن السلطان ولي من لا ولي له لأن الولاية بعد عدم التعصيب تنصرف إلى الذي يقف على هذا الأصل قال أبو عمر كان الزهري يقول وهو رواية هذا الحديث إذا تزوجت المرأة بغير إذن وليها كفؤا جاز وهو قول الشعبي وبه قال أبو حنيفة وزفر وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز النكاح إلا بولي فإن سلم الولي جاز وإن أبى أن يسلم والزوج كفؤا أجازه القاضي ونحو هذا مذهب الأوزاعي. وأما مالك فتحصيل مذهبه أنه ((لا نكاح إلا بولي)) هذه جملته وروى أشهب عن مالك أن الشريفة والدنية والسوداء والمسالمة ومن لا خطب لها في ذلك سواء هذا معنى رواية أشهب عن مالك وقال بن القاسم عنه إذا كانت المرأة معتقة أو مسكينة دنية أو تكون في قرية لا سلطان فيها فلا بأس أن تستخلف رجلا يزوجها ويجوز ذلك وإن كانت ذات حسب لها حال وشرف فلا ينبغي لها أن يزوجها إلا وليها أو السلطان. وقال مالك في الولي الأبعد يزوج وليته بإذنها وهناك من هو أقرب إليها إن النكاح جائز إذا كان للناكح صلاح وفضل هذا قوله في ((المدونة)) وقال سحنون أكثر الرواة يقولون لا يزوجها ولي وثم أقرب منه فإن فعل نظر السلطان في ذلك قال وروى آخرون أن للأقرب أن يرد أو يجيز إلا أن يطول مكثها عند الزوج وتلد أولادا قال وهذا في ذات المنصب والقدر وذكر بن حبيب عن الماجشون قال النكاح بيد الأقعد فإن شاء فسخه وإن شاء أجازه إلا أن يدخل بها الزوج وقال المغيرة لا يجوز أن يزوجها ولي وثم من هو أولى منه ويفسخ نكاحه والمسائل في هذا الباب عن مالك وأصحابه كثيرة الاضطراب. وقال مالك وجمهور أصحابه الأخ وبن الأخ أولى من الجد بالإنكاح وقال المغيرة الجد أولى من الأخ وروى بن القاسم عن مالك الابن أولى من الأب وهو تحصيل المذهب عند المصريين من أصحابه وروى المدنيون عن مالك أن الأب أولى وقال إسماعيل بن إسحاق قال مالك في هذا الباب أقاويل يظن من سمعها أن بعضها يخالف بعضا قال وجملة هذا الباب أن الله تبارك وتعالى - أمر بالنكاح وحض علية الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل الله المؤمنين بعضهم أولياء بعض وبذلك يتوارثون ثم تكون ولاية أقرب من ولاية كما قرابة أقرب من قرابة فمن كان أولى بالمرأة كان أولى بإنكاحها فإن تشاجروا نظر الحاكم في ذلك إذا ارتفعوا إليه ثم أتى بكلام قد ذكرناه عنه في ((التمهيد)) أكثره لا حجة فيه ثم قال فإن نكحت المرأة بغير ولي فسخ النكاح فإن دخل وفات الأمر بالدخول وطول الزمن والولادة لم يفسخ لأنه لا يفسخ من الأحكام إلا الحرام البين أو يكون خطأ لا شك فيه فأما ما يجتهد فيه الرأي وفيه الاختلاف فلا يفسخ قال ويشبه على مذهب مالك أن يكون الدخول فوتا وإن لم يتطاول ولكنه احتاط في ذلك قال والذي يشبه عندي على مذهب مالك في المرأة إذا تزوجت بغير ولي ثم مات أحدهما أنهما يتوارثان وإن كان مالك يستحب ألا يقام على ذلك النكاح قال وقد ذكر بن القاسم عن مالك أنه كان يرى بينهما الميراث قال أبو عمر مذهب الليث بن سعد في هذا الباب نحو قول مالك. وأما الشافعي فالنكاح عنده بغير ولي مفسوخ قبل الدخول وبعده طال الأمد أو لم يطل ولا يتوارثان إن مات أحدهما والولي عنده من فرائض النكاح ولي القرابة لأولي الديانة وحدها دون القرابة ثم الولاية عنده على الأقرب فالأقرب والأقعد في الأقعد ولا مدخل عنده للأبعد مع الأقرب في إنكاح المرأة إلا أن يكون الأقرب سفيها أو غائبا غيبة يضر بالمرأة انتظاره لطولها ولا ولاية عنده لأحد من الأب مع الأولياء فإن مات الأب فالجد ثم أبو الجد ثم أبوه أبدا هكذا والبكر والثيب في ذلك سواء لا تنكح واحدة منهما بغير ولي إلا أن الثيب لا ينكحها أب ولا غيره إلا بإذنها وتنكح البكر من بناته بغير أمرها واحتج بقول الله عز وجل (وأنكحوا الأيامى منكم) [النور 32]. وقوله تعالى في الأيامى (فانكحوهن بإذن أهلهن) [النساء 25]. وقال تعالى مخاطبا للأولياء (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) البقرة نزلت هذه الآية في عضل معقل بن يسار أخته وكان زوجها طلقها ثم أراد رجعتها فخطبها فأبى معقل أن يردها إلى زوجها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي)). قال فإن لم يكن ولي القرابة من العصبة فليس بولي والسلطان ليس بولي إلا لمن لا ولي له من العصبة لقوله صلى الله عليه وسلم ((السلطان ولي من لا ولي له)) وقال الثوري الأولياء العصبة كقول الشافعي. وقال أبو ثور كل من وقع عليه أسم ولي فله أن ينكح وهو قول محمد بن الحسن. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق في النكاح بغير ولي نحو قول الشافعي وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل إذا تزوجها بغير ولي ثم طلقها قال احتاط لها وأجيز طلاقه قال إسحاق كلما طلقها وقد عقد النكاح بغير ولي لم يقع عليها طلاق ولا يقع بينهما ميراث لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((فنكاحها باطل)) (ثلاثا) والباطل مفسوخ فلا يحتاج إلى فسخ حاكم ولا غيره. وأما أبو حنيفة وأصحابه فليس الولي عندهم من أركان النكاح ولا من فرائضه وإنما هو من تمام النكاح وجماله لأن لا يلحقه عارها فإذا تزوجت كفؤا جاز بكرا كانت أو ثيبا وقالوا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) دليل على أن لها أن تزوج نفسها لأنه لم يقل إنه أحق بها في الإذن دون العقد قالوا ومن ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الإذن دون العقد فعليه الدليل قالوا والأيم كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا قالوا والمرأة إذا كانت رشيدة جاز لها أن تلي عقدة نكاحها لأنه عقد أكسبها مالا فجاز أن تليه بنفسها كالبيع والإجارة قالوا وقد أضاف الله - عز وجل - النكاح إليها بقوله (حتى تنكح زوجا غيره) وبقوله (أن ينكحن أزواجهن) [البقرة 232]. وقوله (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) ورووا عن علي انه كان يجيز النكاح بغير ولي ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن أبيه عن الحكم قال كان علي - رضي الله عنه - إذا رفع إليه رجل تزوج امرأة بغير ولي دخل بها أمضاه قال. وحدثني يحيى بن آدم قال حدثني سفيان عن أبي قيس عن هذيل إذا رفعت إلى علي امرأة قد زوجها خالها وأمها فأجاز علي النكاح قال يحيى وقال سفيان لا يجوز لأنه غير ولي وقال الحسن بن صالح هو جائز لأن عليا حين أجازه كان بمنزلة الولي قال أبو عمر لهذه المسألة في إنكاح المرأة نفسها وعقدها في ذلك موضع في كتابنا غير هذا نذكره هناك أبلغ من الذكر ها هنا إن شاء الله عز وجل ومن الحجة على الكوفيين في جواز إنكاح المرأة نفسها ما رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها فإن الزانية التي تنكح نفسها)) ولما لم تل عقدة النكاح غيرها لم تل عقد نكاح نفسها ألا ترى إلى حديث القاسم عن عائشة أنها كانت إذا خطب إليها بعض قرابتها وبلغت التزويج تقول للولي زوج فإن النساء لا يعقدن النكاح والدليل على صحة ذلك قول الله عز وجل (وأنكحوا الأيامى منكم) النور وقال ( فانكحوهن بإذن أهلهن) [النساء 25]. وقال (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) [البقرة 221]. وهذا كله يدل على أن أمرهن إلى الرجال ولولا ذلك ما خوطبوا بإنكاحهن وكذلك قيل لهم (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) [البقرة 232]. وليس في قوله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) حجة لمن ذهب إلى أن المرأة تزوج نفسها لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) ولم يخص ثيبا من بكر وفي هذين الحديثين ما دل على أن الثيب أحق بنفسها من البكر وأن للولي فيها حقا ليس يبلغ مبلغ حقه في البكر لأن الأب يزوج البكر بغير إذنها ولا يزوج الثيب إلا بإذنها ومن الدليل على أنه أراد الإذن دون العقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء وكانت ثيبا وزوجها وأبوها بغير إذنها وقيل كانت بكرا والاختلاف في ذلك ووجوهه تأتي في موضعها من كتابنا هذا - إن شاء الله عز وجل. وأما المرأة تجعل عقد نكاحها إلى رجل ليس بولي لها فيعقد نكاحها فقد اختلف مالك وأصحابه في ذلك ففي ((المدونة)). قال بن القاسم وقف فيها مالك ولم يجبني عنها وقال بن القاسم إن أجازه الولي جاز وإن أراد الفسخ فسخ دخل أو لم يدخل إذا كان بالقرب فإن تطاول الأمد وولدت الأولاد جاز إذا ذلك صوابا قال وكذلك قال مالك قال سحنون وقال غير بن القاسم لا يجوز وإن أجازه الولي فإنه نكاح عقده غير الولي وذكر بن حبيب عن بن الماجشون أنه لا يجوز وإن أجازه الولي وقال والفسخ فيه بغير طلاق وذكر بن شعبان عن بن الماجشون عن مالك قال إذا زوجها أجنبي لم يكن للولي أن يجيزه وإن ولدت منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)). قال بن شعبان وقد قال مالك إذا زوج المرأة غير وليها يفسخ قبل الدخول بتطليقة فلا شيء لها من الصداق قال. وقال مالك فيمن تزوجت بغير ولي ودخل بها والزوج كفء ووليها قريب فلا نرى أن نتكلم في هذا قال أبو عمر ما رواه بن الماجشون عن مالك في ما ذكره بن حبيب وبن شعبان هو القول بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) وهو قول المغيرة وجمهور أهل المدينة وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث. وأما رواية بن القاسم وما كان مثلها عن مالك فهو نحو قول أبي حنيفة والكوفيين وقول أبي ثور على ما وصفنا من مذاهبهم فيما مضى من هذا الباب إلا أن بن القاسم ومن قال بقوله من المالكيين مع قولهم لا نكاح إلا بولي يجيزون النكاح بغير ولي إذا وقع وفات بالدخول أو بالطول ولا أعلم أحدا فرق بين الشريفة ذات الحسب والحال وبين الدنية التي لا حسب لها ولا مال إلا مالكا في رواية بن القاسم وغيره عنه وكذلك لا أعلم أحدا من العلماء فرق بين الثيب والبكر في الولي فقال جائز أن تنكح الثيب بغير ولي وإنه جائز لها أن تزوج نفسها والبكر لا يجوز نكاحها إلا بإذن وليها إلا داود بن علي فإنه جاء بقول خالف فيه من سلف قبله من العلماء فقال لا أمر للولي مع الثيب وجائز نكاحها بغير ولي. وأما البكر فلا يجوز نكاحها إلا بإذن ولي من العصبة واحتج بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير بن مطعم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ليس للولي مع الثيب أمرا واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها)). قال أبو عمر ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر خالف داود أصله في هذه المسألة وقال فيها بالمجمل والمفسر وهو لا يقول بذلك فجعل قوله ((لا نكاح إلا بولي)) مجملا وقوله ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) مفسرا وهما في الظاهر متضادان وأصله في الخبرين المتضادين أن يسقطا جميعا كأنهما لم يجبا ويرجعا ويرجع إلى الأصل فيهما ولو كان الناس عليه كقوله في استقبال القبلة بالبول والغائط أسقط فيهما الحدثين ولم يجعلهما مجملا مفسرا وقال بحديث الإباحة مع ضعفه عنده لشهادة أصله له فخالف اصله في هذه المسألة وخالفه أصلا له آخر وذلك أنه كان يقول إذا اجتمع في مسألة على قولين فليس لأحد أن يخترع قولا ثالثا والناس في هذه المسألة مع اختلافهم لم يفرقوا بين البكر والثيب من قال إنه لا نكاح للأول ومن أجاز النكاح بغير ولي كلهم لم يفرق بين البكر والثيب في مذهبه وجاء داود يقول بفرق بينهما بقول لم يتقدم إليهم قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) يحتمل أنه يكون أحق بنفسها ولا حق لغيرها معها كما زعم داود ومحتمل أن يكون أراد أنها أحق بأن لا تنكح إلا برضاها خلاف البكر التي للأب أن ينكحها بغير رضاها وإن وليها أحق بإنكاحها فلما قال صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) دل على أن المراد بهذا الأيم أحق بنفسها أن فيها إنما هو الرضى وحق الولي أنه أحق بالتزويج لقوله ((أيما امرأة نكحت بغير ولي ولا نكاح إلا بولي قول عام في كل متواجد وكل نكاح وقوله ((الأيم أولى بنفسها من وليها)) ويميل أن لوليها في إنكاحها حقا ولكن حقها في نفسها أكثر وهو أن لا تزوج إلا بإذنها وقد أخبر أنه وليها ولا فائدة في ولايته إلا في تولي العقد عليها إذا رضيت وإذا كان لها العقد على نفسها لم يكن وليا وهذا واضح عال وفيما تقدم من قول الله تعالى (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) [البقرة 232]. وأنها نزلت في عضل معقل بن يسار أخته عن ردها إلى زوجها كفاية وحجة بالغة وبالله التوفيق قال أبو عمر أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها وقال العراقيون إذا أنكح الأب أو غيره من الأولياء الصغيرة فلها الخيار إذا بلغت وقال فقهاء أهل الحجاز لا خيار لها في الأب ولا يزوجها صغيرة غير الأب قال أبو قرة سألت مالكا عن قوله صلى الله عليه وسلم ((والبكر تستأذن في نفسها)) أيصيب هذا القول الأب قال لا لم يعن الأب بهذا إنما عنى به غير الأب قال ونكاح الأب جائز على الصغار من ولده ذكرا كان أو أنثى ولا خيار لواحد منهم قبل البلوغ قال ولا ينكح الصغيرة أحد من الأولياء غير الأب قال أبو عمر اختلفوا في الأب هل يجبر ابنته الكبيرة البكر على النكاح أم لا فقال مالك والشافعي وبن أبي ليلى إذا كانت المرأة بكرا كان لأبيها أن يجبرها على النكاح ما لم يكن ضررا بينا وسواء كانت صغيرة أو كبيرة وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة وحجتهم أنه لما كان له أن يزوجها صغيرة وكان له أن يزوجها كبيرة إذا كانت بكرا لأن العلة البكورة لأن الأب ليس كسائر الأولياء بدليل تصرفه في مالها ونظره لها وأنه غير متهم عليها ولو لم يجز له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها لم يكن له أن يزوجها صغيرة كما أن غير الأب لم يكن له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها لم يكن له أن يزوجها صغيرة ولو احتيج إلى إذنها في الأب ما زوجها حتى تكون ممن لها الإذن بالبلوغ فلما أجمعوا على أن للأب أن يزوجها صغيرة وهي لا إذن لها صح لها بذلك أن له أن يزوجها بغير إذنها ما كانت بكرا لأن الفرق إنما ورد بين البكر والثيب على ما في الحديث ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم ((لا تنكح اليتيمة إلا بإذنها فدل على أن ذات الأب تنكح لغير إذنها إذا كانت بكرا بإجماعهم أيضا على أن الثيب لا تزوج إلا بإذنها وأنها أحق بنفسها بالعقد عليها ولما قال صلى الله عليه وسلم ((الثيب أحق بنفسها)) دل على أن البكر وليها أحق بالعقد عليها وهو الأب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ((اليتيمة لا تنكح حتى تستأمر)) وروى محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو رضاها)) رواه جماعة من الحفاظ عن محمد بن عمرو وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ في هذا الحديث غير محمد بن عمرو والله أعلم وقد روي من حديث أبي موسى وهو ثابت أيضا حدثناه عبد الوارث قال حدثني إسحاق بن الحسن الحربي قال حدثني أبو نعيم قال حدثني يونس بن أبي إسحاق قال حدثني أبو بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أنكرت لم تكره)). قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد لا يجوز للأب أن يزوج البالغ من بناته بكرا كانت أو ثيبا إلا بإذنها ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم ((الأيم أحق بنفسها من وليها)). قالوا والأيم التي لا بعل لها وقد تكون بكرا وثيبا قالوا وكل أيم على هذا إلا ما خصته السنة ولم تخص بذلك إلا الصغيرة وحدها يزوجها أبوها بغير إذنها لأنه لا إذن لمثلها وقد ثبت أن أبا بكر زوج عائشة ابنته من النبي صلى الله عليه وسلم صغيرة ولا أمر لها في نفسها فخرج النساء من الصغار بهذا الدليل وقالوا الولي ها هنا كل ولي أب وغير أب أخذا بظاهر العموم ما لم يرده نص يخرجه عن ذلك ولا نص ولا دليل يخص ذلك إلا في الصغيرة ذات الأب واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم ((لا تنكح البكر حتى تستأذن)). قالوا فهذا على عمومه في كل بكر إلا الصغيرة ذات الأب بدليل الإجماع على معنى حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة - رضي الله عنها قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ((لا تنكح البكر حتى تستأمر)) رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ((التمهيد)) ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ إلا يحيى بن أبي كثير رواه عنه جماعة من أصحابه منهم أبان وهشام وشيبان والأوزاعي هكذا لم يختلفوا فيه حدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني أحمد بن محمد بن زياد قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثني عبد الوهاب عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن)). قالوا يا رسول الله ! وكيف إذنها قال أن تسكت هكذا في حديث هشام الأيم وقال أبان (الأيم) لا تنكح حتى تستأمر قال حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني مسلم بن إبراهيم قال حدثني أبان قال حدثني يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن)). قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت هكذا في حديث هشام الأيم وقال أبان (الأيم) لا تنكح حتى تستأمر قال حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني مسلم بن إبراهيم قال حدثني أبان قال حدثني يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن)). قالوا يا رسول الله ! وكيف إذنهاقال ((إذا سكتت فهو رضاها)). قالوا فظاهر هذا الحديث يقتضي أن البكر لا ينكحها وليها أبا كان أو غيره حتى يستأمرها ويستأذنها وذلك لا يكون إلا في البوالغ واحتجوا أيضا بحديث بن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن اباها زوجها وهي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر حديث بن عباس هذا انفرد به جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن أبن عباس لم يروه غيره من أصحاب أيوب فيما علمت وقد ذكرته بإسناده في ((التمهيد)) ويحتمل أن يكون زوجها من غير كفء أو ممن يضر بها ولا يؤمن عليها لو صح حديث جرير هذا وقد روي أن هذه القصة كانت في خنساء بنت خذام وهي ثيب وسيأتي ذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله قال أبو عمر يحتمل أن تكون البكر المذكورة في حديث يحيى بن أبي كثير هي اليتيمة المذكورة في حديث محمد بن عمرو فيكون حديث محمد بن عمرو مفسرا لحديث يحيى وإذا حمل على هذا لم يتعارض الحديثان وهو عندي حديث واحد عن أبي سلمة عن أبي هريرة أجمله يحيى بن أبي كثير وفسره محمد بن عمرو والله أعلم واختلفوا في غير الأب من الأولياء هل له أن يزوج الصغيرة فقال مالك والشافعي لا يجوز لأحد من الأولياء غير الأب أن يزوج الصغيرة قبل البلوغ أخا كان أو غيره هذا هو تحصيل مذهب مالك عند البغداديين من المالكيين وعليه يناظرون وهو قول بن القاسم وأكثر أصحاب مالك وهو قول الشافعي وأصحابه وقول بن أبي ليلى والثوري وبه قال أحمد بن حنبل في رواية وأبو ثور وأبو عبيد وحجة من قال بهذا القول حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت)). قالوا والصغيرة ممن لا إذن لها فلم يجز العقد عليها إلا بعد بلوغها ولأن من عدا الأب من أوليائها أخا كان أو غيره ليس له أن يتصرف في مالها فكذلك في بضعها واختلف أصحاب مالك في اليتيمة تنكح قبل البلوغ وهي في غير فاقة شديدة هل يفرق بينهما وهل يفسخ نكاحها بعد الدخول على ما قد ذكرناه في كتاب ((اختلاف أقوال مالك وأصحابه)) والذي رواه عيسى عن بن القاسم قال إن زوجها وليها قبل البلوغ نزلت المواريث في ذلك النكاح ولا أعلم أن مالكا كان يبلغ به إلى قطع المواريث فيه وهو أمر قد أجازه جل الناس وقد زوج عروة بن الزبير ابنة أخيه وهي صبية من ابنه والناس يومئذ متوافرون وعروة من هو. وقال أحمد بن حنبل لا أرى للقاضي ولا للوالي أن ينكح اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين قال فإن زوجها صغيرة دون تسع سنين فلا أرى أن يدخل بها حتى تبلغ تسع سنين قال أبو عمر هذا أخذه من نكاح عائشة والله أعلم ولا معنى للجد في ذلك. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن يجوز أن يزوج الصغيرة وليها من كان أبا أو غيره غير أن لها الخيار إذا بلغت وهو قول الحسن وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وقتادة وبن شبرمة والأوزاعي وقال أبو يوسف لا خيار للصغيرة إذا بلغت زوجها أبوها أو غيره من أوليائها وكل هؤلاء يقولون من أجاز أن يزوجها كبيرة جاز أن يزوجها صغيرة والله أعلم قال أبو عمر في هذا الباب نوازل ليس هذا موضع ذكرها الذي تزوج بغير ولي ثم يجيزه الولي قبل الدخول وبعده وكنكاح العبد أو الأمة بغير إذن سيدها هل هو موقوف على إجازة الولي أو السيد أم لا ومثل ذلك من نوازل هذا الباب ليس كتابنا موضعا لها والله الموفق للصواب واختلفوا في سكوت اليتيمة البكر هل يكون رضى منها قبل إذنها في ذلك وتفويضها فعند مالك وأصحابه إن البكر اليتيمة إذا لم تؤذن في النكاح فليس السكوت منها رضى فإن أذنت وفوضت أمرها وجعلت عقد نكاحها إلى وليها فأنكحها ممن شاء ثم جاء يستأمرها فإن إذنها حينئذ الصمت عندهم إذا كانت بكرا بالغا كما ذكرنا وفي مذهب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما إن سكوت البكر اليتيمة إذا استؤمرت وذكر لها الرجل وصفا. وأخبرت بأنها تنكح منه وذكر لها الصداق. وأخبرت بأن سكوتها يعد رضى منها فسكتت بعد ذلك فقد لزمها النكاح. 1063- قال أبو عمر ذكر مالك في آخر هذا الباب عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله أنهما كان ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن قال على ذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار. 1064- ذكر مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار كانوا يقولون في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها إن ذلك لازم لها وقد تقدم القول في معنى هذه الأخبار في درج هذا الباب ومعلوم أن من جاز له أن يزوج الصغيرة وهي ممن لا يعد إذنها إذنا جاز له أن يزوجها بالغا دون إذنها إذا كانت بكرا ولكن العلماء يستحبون مشاورتهن وذكر ذلك لهن لتطيب أنفسهن بما سبق من ذلك وهو أحرى إن يؤدم بينهما. وأما قول مالك في هذا الباب وليس للبكر جواز في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف من حالها فإنه يذهب إلى أن البكر على السفه أبدا حتى تنكح ويدخل بها زوجها ويعرف رشدها وحسن نظرها فإذا كان ذلك جاز فعلها في مالها إلا أن يعترضها زوجها في أكثر من ثلثها على ما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وقال الشافعي والكوفي البكر البالغ وغيرها سواء فيما تملكه حتى يثبت سفهها ويحجر الحاكم عليها كالرجل واحتجوا بظاهر قول الله عز وجل (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) [النساء 4]. ولم يخص بكرا من ثيب وعند مالك أن ذلك فيمن تجوز هبته منهن والله أعلم. 1065- مالك عن آبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله ! إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هل عندك من شيء تصدقها إياه)) فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا)) فقال ما أجد شيئا قال ((التمس ولو خاتما من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هل معك من القرآن شيئ)) فقال نعم معي سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((قد انكحتكها بما معك من القرآن)). قال أبو عمر هذا الحديث يدخل في التفسير المسند في قوله عز وجل (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) الأحزاب والموهوبة بلا صداق خص بها النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل (خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) [الأحزاب 50]. يعني من الصداق فلا بد لكل مسلم من صداق قل أو كثر على حسب ما للعلماء في ذلك من التحديد في قليله دون كثيره فإنهم لم يختلفوا في الكثير منه لقول الله عز وجل (وآتيتم إحداهن قنطارا) [النساء 20]. وفي القياس أن كل ما يجوز بيعه والبدل منه والمعارضة عليه جازت هبته إلا أن الله - عز وجل - خص النساء بالمهور المعلومات ثمنا لأبضاعهن قال الله عز وجل (وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة) [النساء 4]. قال أبو عبيدة عن طيب نفس بها دون جبر وحكومة قال وما أخذ بالحكام فلا يقال له نحلة وقد قيل أن المخاطبين بهذه الآية هم الآباء لأنهم كانوا يستأثرون بمهور بناتهم وقال سعيد بن المسيب ومكحول وبن شهاب لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن قسيط عن سعيد بن المسيب قال لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا حلت له ذكره بن أبي شيبة والشافعي وغيرهما عن بن عيينة وروى وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال لو رضيت بسوط كان مهرها قال أبو عمر قال الله - عز وجل - (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءاتيتموهن أجورهن) [المائدة 5]. يعني مهورهن وقال في الإماء (فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف) [النساء 25]. يعني صدقاتهن وأجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون رقبته وأنه لا يجوز له وطء في نكاح بغير صداق مسمى دينا أو نقدا وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمي صداقا فإن وقع الدخول في ذلك لزم فيه صداق المثل واختلفوا في عقد النكاح بلفظ الهبة مثل أن يقول الرجل قد وهبت لك ابنتي أو وليتي وسمى صداقا أو لم يسم وهو يريد بذلك النكاح فقال الشافعي لا يحل الصداق بهبته بلفظ الهبة ولا ينعقد النكاح حتى يقول قد أنكحتك أو زوجتك وهو قول سعيد بن المسيب وربيعة قالا لا يجوز النكاح بلفظ الهبة وهو قول المغيرة وبن دينار وبن أبي سلمة وبه قال أبو ثور وداود وغيرهم واختلف في ذلك أصحاب مالك واختلفت الرواية عنه في ذلك على قولين أحدهما أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة إذا أرادوا النكاح وفرضوا الصداق والثاني كقول الشافعي وربيعة وقال بن القاسم عن مالك لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال وإن كانت هبته إياها ليست على نكاح وإنما وهبها له ليحضنها أو ليكلفها فلا أرى بذلك بأسا قال بن القاسم وإن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظه عن مالك وهو عندي جائز كالبيع. وقال مالك من قال أهب لك هذه السلعة على أن تعطيني كذا وكذا فهو بيع وإلى هذا ذهب أكثر المتأخرين من المالكيين البغداديين قالوا إذا قال الرجل قد وهبت لك ابنتي على دينار جاز وكان نكاحا صحيحا وكان قياسا على البيع. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي ينعقد النكاح بلفظ الهبة إذا شهد عليه ولها المهر المسمى إن كان سمى وإن لم يسم لها مهر مثلها ومما احتج به أيضا أصحاب أبي حنيفة في هذا أن الطلاق يقع بالتصريح وبالكناية قالوا فكذلك النكاح قالوا والذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم تعري البضع من العوض لا النكاح بلفظ الهبة قال أبو عمر لما أجمعوا أنه لا تنعقد هبة بلفظ النكاح وجب ألا ينعقد النكاح بلفظ الهبة وبالله التوفيق ومن جهة النظر النكاح مفتقر إلى التصريح ليقع الإشهاد عليه وهو ضد الطلاق فكيف يقاس عليه وقد أجمعوا أنه لا ينعقد نكاح بقوله قد أحللت وقد أبحت لك فكذلك لفظ الهبة وفي هذا الحديث دليل على أن مبلغ الصداق غير مقدر وأنه يجوز بالقليل والكثير مما تصلح به الإجازات والبياعات وأنه يجوز بالإجارة والخدمة وهذا كله مختلف فيه كما أنهم قد اختلفوا في النكاح على تعليم القرآن ونذكر ذلك كله ها هنا - أن شاء الله فأما اختلافهم في مقدار مبلغ الصداق الذي لا يجوز عقد النكاح بدونه فقال مالك في آخر هذا الباب لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار وذلك أدنى ما يجب فيه القطع قال أبو عمر هذا قول مالك وأصحابه حاشا بن وهب لا يجوز عندهم أن يكون صداق أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلا من الورق أو قيمة ذلك من العروض التي يجوز ملكها. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز أقل من عشرة دراهم كيلا قياسا على ما تقطع فيه اليد وكذلك قاسه مالك على ما تقطع اليد عنده فيه وقال له الدراوردي تعرفت فيها يا أبا عبد الله يقول ذهبت فيها مذهب أهل العراق ولا أعلم أحدا قال ذلك بالمدينة قبل مالك واحتجوا لما ذهبوا إليه من ذلك بأن البضع عضو مستباح ببدل من المال فلا بد أن يكون مقدرا قياسا على قطع اليد واحتجوا أيضا بأن الله عز وجل - لما شرط عدم الطول في نكاح الإماء وأباحه لمن لم يجد طولا دل على أن الطول لا يجده كل الناس ولو كان الفلس والدانق والقبضة من الشعير ونحو ذلك طولا لما عدمه أحد ومعلوم أن الطول في معنى هذه الآية المال ولا يقع اسم مال عندهم على أقل من ثلاثة دراهم فوجب أن يمنع من استباحة الفروج باليسير الذي لا يكون طولا قال أبو عمر هذا كله ليس بشيء لأنهم لا يفرقون في مبلغ أقل الصداق بين صداق الحرة والأمة والله أعلم وإنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء وهم لا يجيزون نكاح الأمة بأقل من ربع دينار كما لا يجيزون نكاح الحرة بأقل من ربع دينار. وأما القياس على قطع اليد فقد عارضهم مخالفوهم بقياس مثله أذكره بعد - إن شاء الله - عز وجل. وأما حجة الكوفيين بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا صداق بأقل من عشرة دراهم)) فلا معنى لها لأنه حديث لا يثبته أحد من أهل العلم بالحديث وما رووه عن علي - رضي الله عنه - أنه قال لا صداق أقل من عشرة دراهم فإنما يرويه جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وهو منقطع عندهم ضعيف وقال بن شبرمة أقل المهر خمسة دراهم وفي ذلك تقطع اليد عنده وعن النخعي ثلاثة أقاويل أحدها أنه كره أن يتزوج أحد بأقل من أربعين درهما وروي عنه أنه قال أكره أن يكون مثل مهر البغي ولكن العشرة والعشرون والثالث كقول أبي حنيفة عشرة دراهم ويحتمل أن تكون أقوال النخعي في ذلك على سبيل الاختيار لأنه لا يجوز عنده أقل مما اختاره وكذلك مما روي عن سعيد بن جبير أنه كان يستحب أن يكون المهر خمسين درهما وقال سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وسائر فقهاء التابعين بالمدينة لا حد في مبلغ الصداق ويجوز بما تراضوا عليه من المال وهو قول ربيعة وأبي الزناد ويحيى بن سعيد الأنصاري وعثمان البتي والحسن البصري وعبيد الله بن الحسن وعمرو بن دينار وبن جريج والشافعي وأصحابه ومسلم بن خالد الزنجي والليث بن سعد والثوري والحسن بن صالح بن حي وبن أبي ليلى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري كلهم يجيز النكاح بقليل المال وكثيره إلا أن الحسن بن حي يعجبه أن لا يكون الصداق أقل من دينار أو عشرة دراهم ويجيزه بدرهم وقال الأوزاعي كل نكاح وقع بدرهم فما فوقه لا ينقضه قاض قال والصداق ما تراضى عليه الزوجان من قليل أو كثير. وقال الشافعي كل ما كان ثمنا لشيء أو أجرة جاز أن يكون صداقا وقال سعيد بن المسيب لو أصدقها سوطا حلت وأنكح ابنته بصداق درهمين من عبد الله بن وداعة السهمي وقال عبيد الله بن الحسن الفلس صداق يجب به النكاح ولكني أستقبح صداق درهمين وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعثمان البتي يجوز النكاح على درهم وقال أبو الزناد وبن أبي ذئب المهر ما تراضى عليه الأهلون وهو قول القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وقال يحيى بن سعيد الأنصاري الثوب والسوط والنعلان صداق إذا رضيت وكان عبد الله بن وهب صاحب مالك يستحب ألا ينقص الصداق من ربع دينار ويجيزه بدرهم وبنصف درهم وقد قال بن القاسم لو أصدقها درهمين ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع إلا بدرهم واحد حدثني أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثني بن أبي دكيم قال حدثني بن وضاح قال سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول كان وكيع بن الجراح يرى التزويج بدرهم أخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا أحمد بن قاسم بن شعبان قال حدثني سليمان بن زكريا قال حدثني حشيش بن أصرم قال حدثني عبد الوارث قال حدثني عمر أن بن موسى زكريا قال حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عكرمة عن بن عباس قال النكاح جائز على موزة إذا هي رضيت حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو الورد قال حدثني أحمد بن محمد بن عبد الله اليسري قال جاءنا علي بن خشرم قال حدثني وكيع قال سمعت الثوري يقول إن تراضوا على درهم في المهر فجائز قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ((التمس ولو خاتما من حديد)) يدل على أن لا تحديد في مبلغ الصداق وقد أجمعوا أن لا حد ولا توقيت في أكثره فكذلك لا حد في أقله ولا توقيت وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ((إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك)) دليل على أن الرجل إذا أصدق امرأته خادما قبضتها أنه لا يحل له وطؤها لأنها ليست له بملك وقد قال الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) المؤمنون. 5- 7 وهذا يشهد بصحة قول من قال إن من وطىء جارية امرأته فهو زان وعليه الحد وسيأتي القول فيها بما للعلماء من التنازع في إيجاب الحد على الزوج إذا وقع عليها في موضعه - إن شاء الله - عز وجل وقد اختلف الفقهاء فيما تملكه المرأة من صداقها قبل الدخول فالظاهر من مذهب مالك أنها لا تملك منه قبل الدخول بها إلا نصفه وأن الصداق إذا كان شيئا بعينه فهلك ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه شيء ولا له عليها ولو سلم الصداق وطلق قبل الدخول أخذ نصفه ناقصا أو ناميا والتمام والنقصان بينهما وقال بهذا طائفة من أصحاب مالك وقد روي عن مالك وقالت به أيضا طائفة من أصحابه تستحق المرأة المهر كله بالعقد واستدل القائلون بذلك بالموت قبل الدخول وأنه لا يستحق به الصداق كله وكذلك وجوب الزكاة في الماشية إذا كانت بعينها ولا يقال للزوج أد الزكاة عنها وكذلك تدخل بامرأتك ولو كانت بينهما لم يجب عليها في أربعين شاة أو خمس ذود إلا نصف شاة فلما أوجب عليها شاة علم أنها كلها على ملكها وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه واعتلوا بالإجماع على أن الصداق إذا قبضته المرأة أو كان معينا في غير ذمة الزوج وهكذا قبل الدخول كان منها وكان له أن يدخل بها بغير شيء واعتلوا أيضا بأن الصداق لو كان أبوها عتق عليها عقيب العقد ولم ينظر الدخول وقد زدنا هذه المسألة بيانا واعتلالا في ((التمهيد)) وفي هذا الحديث دليل على جواز اتخاذ الخاتم من الحديد وقد اختلف العلماء في جواز لباس خاتم الحديد فكرهه قوم منهم عبد الله بن مسعود وبن عمر وقال أبو عمر ما ظهرت كف فيها خاتم من حديد وروى بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب والحديد ومن حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتما من حديد فقال له ((مالي أرى عليك حلية أهل النار)) ومن لم يصح هذه الآثار فقال الأشياء على الإباحة حتى يصح الحظر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((التمس ولو خاتما من حديد)) فدل على جواز استعماله والانتفاع به والله أعلم وفي هذا الحديث - أيضا - دليل على أن تعليم القرآن جائز أن يكون مهرا لأنه قال للرجل ((التمس ولو خاتما من حديد)) فلما لم يقدر عليه قال له ((هل معك من القرآن شيء فذكر له سورا فقال ((قد زوجتكها على ما معك من القرآن)) وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا يكون تعليم القرآن مهرا وهو قول الليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي وحجة من ذهب هذا المذهب أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لذكر الله تعالى الطول في النكاح والطول المال والقرآن ليس بمال لأن التعليم يختلف ولا يكاد يضبط فأشبه الشيء المجهول قالوا ومعنى قوله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((قد أنكحتك على ما معك من القرآن إنما هو على جهة التعظيم للقرآن وأهله لا على أنه مهر وإنما زوجه إياها لكونه من أهل القرآن كما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه لأنه اسلم فتزوجها وقد ذكرنا الخبر بذلك في ((التمهيد)) وكان المهر مسكوتا عنه في الحديثين معا لأنه معهود معلوم أنه لا بد منه. وقال الشافعي وأصحابه جائز أن يكون تعليم القرآن أو سورة منه مهرا وقال إسحاق هو نكاح جائز وكان أحمد يكرهه. وقال الشافعي فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجر التعليم هذه رواية المزني عنه وروى عنه الربيع في ((الموطإ أنه أن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف مهر مثلها لأن تعليم النصف لا يوقف على حد ومن الحجة للشافعي ومن قال بقوله أن تعليم القرآن يصح أخذ الأجرة عليه فجاز أن يكون صداقا قالوا ولا معنى لما اعترضوا عليه من دفع ظاهر الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)) لأن ظاهر الحديث وساقته يبطل تأويله لأنه التمس فيه الصداق بالإزار وخاتم الحديد ثم تعليم القرآن ولا فائدة لذكر القرآن في الصداق غير ذلك وقد أخبرني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن عمر بن لبابة قال أخبرني مالك بن علي القرشي عن يحيى بن يحيى بن مضر حدثه عن مالك بن أنس في الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح بما معه من القرآن إن ذلك في أجرته على تعليمها ما معه من القرآن وقال بن القاسم عن مالك لا خير في هذا النكاح ويفسخ قبل الدخول ويكون لها بعد الدخول صداق المثل قال بن القاسم وكذلك من تزوج بقصاص وجب له عليها وقال سحنون النكاح جائز دخل أو لم يدخل. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف فيمن تزوج على خدمة سنة إن كان عبدا فلها خدمته سنة وإن كان حرا فلها مهر مثلها وقال محمد لها قيمة خدمته إن كان حرا وقال الأوزاعي إن تزوجها على أن يحجبها ثم طلقها قبل الدخول بها فهو ضامن لنصف حجبها من الحملان والكسوة. وقال الشافعي والحسن بن حي النكاح جائز على الخدمة إذا كان وقتا معلوما قال الشافعي وكذلك كل عمل مسمى معلوم مثل أن يعلمها قرآنا أو يعلم لها عبدا عملا وقال بن حبيب في الذي يتزوج المرأة على أن يؤاجرها نفسه سنة إن ذلك جائز ولا يدخل بها حتى يقدم من الأجرة شيئا يكون قدر ربع دينار قال أبو عمر قال بعض المتأخرين من أصحابنا المالكيين في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب ((ألتمس شيئا وهل عندك من شيء أنه أراد هل عندك من شيء تقدمه إليها من صداقها لأن عادتهم جرت أن يقدموا من الصداق بعضه لا أن خاتم الحديد الصداق كله قال أبو عمر المستحب عند مالك أن يكون ما يقدمه قبل الدخول ربع دينار وهذا خلاف ما تأول عليه هذا القائل الحديث. وأما أصحاب الشافعي فيقولون في قوله ألتمس شيئا وهل عندك من شيء تصدقها إياه قالوا ويقتضي أن كل شيء وجده يكون ثمنا لشيء جاز أن يكون صداقا والله أعلم وفي هذا الحديث جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأخذ البدل على الوفاء به ونحو ذلك لأنه إذا جاز أن يكون مهرا جاز أن يؤخذ عليه العوض في كل ما ينتفع به منه وإلى هذا المعنى ذهب مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود ومن حجتهم في ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فنزلوا بحي فسألوهم الكراء أو الشراء فلم يفعلوا فلدغ سيد الحي فقال لهم هل فيكم من راق فقالوا لا حتى تجعل لنا على ذلك جعلا فجعلوا لهم قطيعا من غنم فأتاهم رجل منهم فقرأ عليه فاتحة الكتاب فبرأ فذبحوا وشووا وأكلوا فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال ((ومن أين علمتم أنها رقية من أخذ برقية باطل فقد أخذتم برقية حق اضربوا لي معكم بسهم)) ورواه أبو المتوكل الناجي وسليمان بن قتة وأبو نضرة كلهم عن أبي سعيد الخدري وروى الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز أن يؤخذ على تعليم القرآن أجر على كل من يسأل منه شيئا يقرأه وأن يعلمه لمن سأله إلا أن يضر ذلك به ويشغله عن معيشته واعتلوا بأحاديث مرفوعة كلها ضعيفة منها حديث علي بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبي جرهم عن أبي هريرة قال هكذا علي بن عاصم عن حماد عن أبي جرهم وغيره يرويه عن حماد عن أبي المهزم عن أبي هريرة وأبو جرهم لا يعرفه أحد وأبو المهزم مجتمع على ضعفه قال قلت يا رسول الله ! ما تقول في المعلمين قال درهمهم حرام وقولهم سحت وكلامهم ربا وهذا حديث منكر وحديث المغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت أنه علم رجلا من أهل الصفة سورة من القرآن فأهدى إليه قوسا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن سرك أن يطوقك الله به طوقا من نار فاقبله)) ومن حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن أبي بن كعب وهو منقطع ومن حديث بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به)) وبحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((بلغوا عني ولو آية)) فاستدلوا بهذا على أن تعليم القرآن فرض وبأحاديث مثل هذه كلها ضعيفة لا حجة في شيء منها ومن هذا المعنى اختلف الفقهاء في المصلي بالناس مكتوبة بأجرة فروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من يستأجر في رمضان يقوم بالناس فقال أرجو ألا يكون به بأس وإن كان به بأس فعليه لا على من صلى خلفه وروى عنه بن القاسم أنه كرهه قال وهو أشد كراهة له في الفريضة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وحجتهم حديث عثمان بن أبي العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا قال أبو عمر قد ذكرنا في كتاب الصلاة قول من جعل الأذان فرضا على الكفاية وفرضا متعينا وفرضا على الدار ومن جعله نافلة وجعل الأمر به ندبا ومن جعله سنة مؤكدة في الجماعة. وقال الشافعي لا بأس بأخذ الأجرة على الإمامة في الصلاة النافلة والمكتوبة ولا بأس بالصلاة خلفه وقال أصحاب الشافعي أولى ما تؤخذ عليه الأجرة أعمال البر وعمل الخير إذا لم يلزم المرء القيام بها لنفسه كمراقبة شهود الجماعة والتزام الإمامة والأذان للصلاة وتعليم القرآن وما كان مثل ذلك وذكر الوليد بن يزيد عن الأوزاعي أنه سئل عن رجل أم قوما وأخذ على ذلك أجرا قال لا صلاة له قال أبو عمر كأنه قال من أدى الفرض عن نفسه استحال أن يأخذ عليه عوضا ولذلك أبطل صلاته وفي المسألة اعتلال يطول ذكره. 1066- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها فأما إذا كان وليها الذي أنكحها بن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به قال أبو عمر روي هذا الحديث عن بن عيينة وغيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص أو قرن فلم يعلم بها حتى أصابها فلها مهرها بما استحل منها وذلك لزوجها غرم على وليها فذكر في القرآن ولم يذكره مالك وهو محفوظ معمول به عند من يذهب في ذلك مذهب عمر بل القرآن عندهم أوكد لأنه يمنع من المعنى المبتغى في النكاح وهو الجماع في الأغلب وبن عيينة عن عمرو عن جابر بن زيد قال أربع لا تجوز في بيع ولا نكاح إلا أن يمس فإن مس جاز الجنون والجذام والبرص والقرن قال أبو عمر هذه مسألة اختلف فيها السلف والخلف فروي عن عمر ما ذكره مالك وقد رواه جماعة غيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر وسعيد قد روى ما لا يختلفون في ذلك واختلفوا في سماعه منه وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في هذه المسألة إنه إن مسها لم يكن له صرفها وهي امرأته إن شاء طلق أو أمسك وإن علم قبل أن يمس كان له الفسخ ولا شيء عليه فخالف عمر رضي الله عنهما في غرم الصداق لأن الزوج قد لزمه الصداق بالمسيس وهو قياس السنة في قوله صلى الله عليه وسلم في النكاح بغير ولي وقد نهى عنه (( فإن دخل بها فلها مهرها بما استحل منها)) ذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن إدريس عن أبيه عن الحكم قال كان علي يقول في المجنونة والبرصاء إن دخل بها فهي امرأته وإن لم يدخل فرق بينهما وعبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل عن الشعبي عن علي قال ترد من القرن والجنون والجذام والبرص فإن دخل بها فعليه المهر إن شاء طلق وإن شاء أمسك وإن لم يدخل فرق بينهما. وأما اختلاف الفقهاء في ذلك فقال مالك وغيره عنه ترد المرأة في الجنون والجذام والبرص وداء النساء الذي في الفرج إذا تزوجها وهو لا يعلم بذلك فإن دخل بها فلها الصداق بما استحل منها ويرجع الزوج على وليها الأب أو الأخ لما دلس عليه إلا أن يكون وليها بن عم أو مولى أو رجلا من العشيرة ممن لا علم له بشيء من أمرها فلا غرم عليه قال وأرى ذلك عليها خاصة لأنها غرت ويترك لها عوضا عن مسيسه إياها قدر ما يستحل به مثلها قال وللمرأة مثل ذلك إذا تزوجها الرجل وبه هذه العيوب قال وإن كانت المرأة التي بها هذه العيوب لم يدخل الزوج بها فهو بالخيار إن شاء خلى سبيلها ولا شيء لها عليه من المهر وإن شاء أمسك قال بن القاسم وإن وجدها عمياء أو مقعدة أو شلاء وشرط الولي عنها صحتها فهو مثل ذلك ولا شيء عليه من صداقها إن لم يدخل بها وإن دخل بها فعليه المهر ويرجع على الذي أنكحها لأن مالكا قال في امرأة تزوجت فإذا هي بغية يزوجوه على نسب وإن زوجوه فلا شيء لهم عليه قال مالك لا ترد الزوجة إلا من العيوب الأربعة ولا ترد من العمى والسواد وقال بن وهب المجذوم البين جذامه ترد منه قال وبلغني عن مالك في البرص أنه لا يفرق بينه وبين امرأته وهو رأي قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك أنه لا ترد الزوجة بغير العيوب الثلاثة التي جاءت منصوصة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وترد من كل داء يمنع من الجماع لأنه الغرض المقصود للنكاح ولأن العيوب الثلاثة المنصوصة عن عمر تمنع من طلب التناسل وهو معنى النكاح وزاد بن القاسم أنه إذا اشترط الناكح السلامة ردت من كل عيب - قياسا على قول مالك فيمن اشترط النسب فخرجت بغية. وأما قول مالك في الموطوءة وبها العيب من هذه العيوب أنها ترد ما أخذت حاشا ربع دينار فإنه قاسه على المدلس بالعيب في السلع إذا استهلكت واستدلالا بقول عمر ذلك لها غرم على وليها وقال بن سحنون في الجنون والجذام والبرص وداء النساء الذي يكون في الفرج وقال الليث وأرى الآكلة كالجذام قال وكان بن شهاب يقول من كل داء عضال. وقال الشافعي ترد المرأة من الجنون والجذام والبرص والقرن فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها وإن كان بعد الدخول فلها مهر مثلها بالمسيس ولا يرجع به عليها ولا على وليها وهو قول الحسن بن صالح بن حي إلا أنه قال لها مهرها المسمى قال وكذلك إن وجدت المرأة بالزوج برصا أو جنونا أو جذاما ما كان لها فسخ النكاح قال أبو عمر حجة الشافعي ومن قال بقوله أنه لا يرجع عليها بعد المسيس بشيء من مهرها ولا لوليها علم أو لم يعلم قوله صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) ثم قال فإن دخل بها فلها المهر مما استحل بها فإذا كان المسيس في النكاح الباطل يوجب لها المهر كله كان أحرى أن يجب لها ذلك بالنكاح الصحيح الذي لو شاء أن يقيم عليه ويرضى بالعيب كان ذلك له وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي لا يفسخ النكاح بعيب المرأة وكذلك إن كان عيب الرجل لم يفسخ أيضا وهو قول بن أبي ليلى وأبي الزناد قال بن أبي ليلى وأبو الزناد لا ترد المرأة بجنون ولا بجذام وقال الثوري لا ترد من برص ولا عيب وقال الأوزاعي في البرصاء والعفلاء واطلع عليها لها المهر بالمسيس ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وقال محمد بن الحسن عنه وعن أصحابه إذا وجدت المرأة عن حال لا تطيق المقام معه من جذام أو نحوه فلها الخيار في الفسخ كالغبن قال أبو عمر حجة هؤلاء الذين لا يرون رد زوجة بعيب القياس على الإجماع لأنهم لما اجمعوا على أن النكاح لا ترد فيه المرأة بعيب صغير خلاف البيوع كان كذلك العيب الكبير وقد قال بقول المدنيين جماعة من التابعين وكذلك قال بقول الكوفيين جماعة من التابعين كتب عبد الرزاق وبن أبي شيبة أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري في الرجل تزوج امرأة فدخل بها فرأى بها جنونا أو جذاما أو برصا أو عفلا أنها ترد من هذا ولها الصداق الذي استحل به فرجها العاجل والآجل وصداقها على من غره قال وإذا تزوج الرجل المرأة وبالرجل عيب لم تعلم به جنون أو جذام أو برص خيرت وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال إن كان الولي علم غرم وإلا استحلف بالله ما علم ثم هو على الزوج قال أبو عمر من علم من الزوجين بأحد هذه العيوب من صاحبه ورضيه ولم يطلب الفراق حين علم وأمكنه الطلب فقد لزمه ولو رضيت بالمقام مع المجذوم ثم زادت حاله كان لها الخيار أيضا. وأما الجنون إذا كان لا يؤمن عليها فقد قال بن القاسم وغيره من أصحاب مالك يؤجل سنة يتعالج فيها إن كان ممن يرجى برؤه وكذلك المجذوم عندهم وذكر بن عبد الحكم عن مالك في المجنون أنه يحبس في الحديد فإن راجعه عقله وإلا فرق بينه وبين امرأته ولم يذكر تأجيل سنة ولم أعلم أحدا من العلماء قال إن المجنون يؤجل سنة كالعنين والمعترض إلا ما في كتاب أصحاب مالك - رحمهم الله قال أبو عمر إن استحقت المرأة المهر بالمسيس فالقياس ألا يكون على الولي شيء علم أو لم يعلم لأن الزوج قد اعتاض من مهره المسيس فكيف يكون له عوض آخر قال أبو عمر لم يختلف الفقهاء في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد منه إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها والفقهاء كلهم على خلاف ذلك لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح وفي الإجماع هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضع وطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج وفي إجماعهم أيضا على العقيم التي لا تلد لا ترد فالصحيح ما قلناه وبالله توفيقنا
|